أغرب من الخيال - الهياكل الخارجية للإنسان

أغرب من الخيال - الهياكل الخارجية للإنسان 

في وقت من الأوقات، كانت فكرة ارتداء هيكل خارجي آلي لتعزيز قوة الفرد وقدراته ما هي إلا مجرد نوع من الخيال العلمي. ولقد رأينا ذلك في الثقافة الشعبية بأفلام مثل فيلم أفاتار (Avatar)، حيث كانت "بدلة الحركة المعززة" (أو الـAMP) هي الوقاية الوحيدة للناس من المناخ القاسي لكوكب باندورا، أو فيلم الرجل الحديدي (Iron Man) حيث يقوم توني ستارك بإلحاق الهزيمة بأعدائه بقوة الذكاء الاصطناعي وبدلته الميكانيكية. ولكن الآن، فقد أصبح الخط الفاصل بين الخيال والواقع ضبابيًا، ولم تعد الهياكل الخارجية مجرد نتاج لخيالنا.

تخيل أنك ترتدي جهازًا يوفر لك الدعم أثناء الحركة ويزيد من أدائك البدني. هذا هو سحر الهيكل الخارجي!

وتعتمد هذه الأجهزة القابلة للارتداء على مزيج من الروبوتيات والميكاترونيكس الحيوية للعمل جنبًا إلى جنب مع المستخدمين، مما يعزز قدراتهم البدنية. إنه مثل امتلاك مساعد شخصي يجعلك أقوى وأسرع، دون الاستعانة بالقدرات الوظيفية لجسمك.

لمحة تاريخية قصيرة

بدأت قصتنا في روسيا، في عام 1890، عندما طور مهندس مبتكر يدعى نيكولاس ياجين جهازًا يمكن أن يساعد في الحركة باستخدام أكياس الغاز المضغوط، حيث لم يكن يعلم بأنه قد اخترع للتو أول جهاز يشبه الهيكل الخارجي.

ياجين ، نيكولاس. "جهاز لتسهيل المشي". تم إيداع براءة الاختراع الأمريكية 440684 في 11 فبراير 1890 ، وصدرت في 18 نوفمبر 1890.


ثم دعونا نقفز إلى عام 1986، عندما صادف مونتي ريد، حارس الجيش الأمريكي الذي كسر ظهره في حادث هبوط بالمظلة، فيلم الخيال العلمي الكلاسيكي لروبرت هاينلين، Starship Troopers. وقد أثمرت سنوات من العمل الجاد والمثابرة في عام 2005، عندما ارتدى ريد النموذج الأولي الثاني عشر من "بدلة الحياة" في سباق للمشي، مسجلًا الرقم القياسي لسرعة المشي بارتداء بدلة الروبوت. حيث مهد هذا الإنجاز الرائد الطريق أمام ابتكارات مستقبلية في تقنية الهياكل الخارجية، مثل النموذج الأولي رقم 14 لبدلة الحياة، التي تستطيع - عندما تكون مشحونة بشكل كامل - السير لمسافة 1.6 كيلومتر وتمكين الشخص الذي يرتديها من رفع 92 كجم.

واليوم، فإن هذه الصناعة السريعة النمو للهياكل الخارجية الروبوتية تمتلك إمكانات مذهلة لمساعدة الأشخاص ذوي الإعاقة، وتحسين سلامة العمال وإنتاجيتهم، وتعزيز الأداء الرياضي. ففي عام 2014، دخل جوليان بينتو، المصاب بالشلل التام في أطرافه السفلية، التاريخ من خلال افتتاح كأس العالم في البرازيل باستخدام هيكل خارجي آلي صنعه فريق عمل يضم أكثر من 150 باحثًا.

ومع تطوير المزيد من حالات الاستخدام في الصناعات الجديدة، يتوقع الخبراء أن تبلغ قيمة صناعة الهياكل الخارجية 1.8 مليار دولار بحلول عام 2025.

التطورات - حالات الاستخدام والشركات

يعتمد تصنيف الهياكل الخارجية على مكان ارتدائها على الجسم وكيفية تزويدها بالطاقة. وهناك ثلاثة أنواع رئيسية من الهياكل الخارجية: تلك الخاصة بالجسم الكامل، والأطراف العلوية، والأطراف السفلية.

1. الهيكل الخارجي لكامل الجسم، يستخدم لزيادة القوة في الجيش وإعادة التأهيل.

2. الهيكل الخارجي للأطراف العلوية، ويدعم الذراعين وربما الجذع، ويمكن تصميمه أيضًا إلى مفاصل الكتف، ومفاصل الكوع، والرسغ، والأصابع.

3. الهيكل الخارجي للأطراف السفلية، ويدعم الساقين حيث يأتي بأشكال وتوليفات مختلفة مثل تلك الخاصة بالورك فقط، أو الركبة، أو الكاحل، بالإضافة إلى تلك الخاصة بالورك والركبة، والركبة والكاحل، والورك والركبة والكاحل.

إعادة التأهيل الجسدي

تخيل عدم قدرتك على المشي أو الجري أو حتى الوقوف دون مساعدة. بالنسبة للعديد من الأشخاص الذين يعانون من إصابات في النخاع الشوكي، فإن هذا هو واقعهم. ولكن التقدم التكنولوجي يغير هذا الواقع من خلال إدخال الهياكل الخارجية كخيار حيوي وفعال للمساعدة على التنقل.

فعندما تكون الخصائص الهيكلية والوظيفية للجهاز العصبي العضلي والهيكل العظمي محدودة للغاية بحيث لا يمكن تحقيق الحركة الكاملة باستخدام جهاز تقويم العظام، فإن الهياكل الخارجية يمكن أن تكون خيارًا بديلًا جيدًا. وهي مفيدة بشكل خاص للمرضى المصابين بالشلل التام، حيث يمكن للهياكل الخارجية المعززة بالطاقة أن تتولى معظم الأعمال النشطة للعضلات، مما يسمح بدرجة أفضل من الحركة وأعلى من نوعية الحياة بالنسبة للأفراد الذين يعانون من إعاقات حركية.

ويتم حاليًا تطوير نماذج أولية مختلفة من الهياكل الخارجية، بما في ذلك: Ekso GT، وهو أول هيكل خارجي معتمد من قبل إدارة الغذاء والدواء الأمريكية (الFDA)  لمرضى السكتة الدماغية. وقد قام مركز الأبحاث الألماني للذكاء الاصطناعي أيضًا بتطوير هيكلين خارجيين يستخدمان للأغراض العامة، هما CAPIO و VI-Bot، واللذان يقومان في الأساس على التشغيل عن بعـد.

وتتوسع تطبيقات تقنية الهياكل الخارجية إلى ما هو أبعد من الاستخدامات الطبية، حيث يتم تطويرها الآن للتحسين من الدقة أثناء العمليات الجراحية ولمساعدة الممرضات في نقل وحمل المرضى من ذوي الأوزان الثقيلة.

المجال العسكر

ربما كان "الرجل الحديدي" فيلمًا خياليًا فيما مضى، ولكن اليوم وبفضل التقدم في تكنولوجيا الهياكل الخارجية، لم يعد الجنود المعززون ببدلات الوقاية مجرد شيء من الخيال.

إيفان أكرمان ، 2015. https://spectrum.ieee.org/darpa-tests-batterypowered-exoskeletons-on-real-soldiers

إن أحد الأمثلة على ذلك هو: Sarcos Guardian XO، والتي تمثل أعجوبة هندسية مدعومة ببطاريات أيونات الليثيوم، حيث تم تصميم هذا الهيكل الخارجي خصيصًا لتقليل التعب وللتطبيقات اللوجيستية العسكرية، فهو يغير قواعد اللعبة في عالم الحرب الحديثة. ولكن حتى مع الميزات المتقدمة لـ Guardian X، فقد تم تعليق مشروع الهيكل الخارجي TALOS للجيش الأمريكي في عام 2019. إلا أن هذه الانتكاسة لم تمنع الآخرين من الاستمرار في تطوير تقنية الهيكل الخارجي.

وتهدف بدلة ONYX العائدة لشركة لوكهيد مارتن إلى دعم الجنود في أداء المهام التي تتطلب استخدام الركبة بصورة مكثفة، مثل عبور التضاريس الصعبة. وفي حين أن الهياكل الخارجية قد وجدت في المجال العسكري لتسريع وقت الاستجابة لدى الجنود، فليست جميع النماذج ناجحة في هذا الخصوص. إلا أنه قد تم مؤخرًا تصميم نموذج "هيكل خارجي سلبي" (أي: غير معزز بالطاقة) وتقييمه من قبل أكثر من 100 جندي في ثلاثة مواقع بالجيش، حيث تم الانتهاء من الاختبار الميداني في مايو 2022 بدرجة استحسان عالية.

أما أحدث تقنيات الهياكل الخارجية من الناحية العسكرية فهي "بدلة الجندي الخارجية المساعدة ذات الأجزاء الاصطناعية والمستخدمة لإعادة الإمداد" (SABER)، حيث يمكن للجنود ارتداء هذا الجهاز المساعد خفيف الوزن والمرن أثناء تحريكهم للآلات الثقيلة أو المدفعية، مما يعمل على حل مشكلات معينة دون إعاقة الطريق. ومع استمرار تقدم التكنولوجيا، فإن إمكانيات تكنولوجيا الهياكل الخارجية في الجيش لا حصر لها. ومع أن هذه البدلات ليست بالضبط مثل الرجل الحديدي، فإن الجنود المعززين بالبدلات الهيكلية أصبحوا الآن حقيقة واقعة مما سيغير وجه الحرب الحديثة.

مجال الصناعة

تعتبر سلامة العمال ذات أهمية قصوى في العالم السريع التقدم للتصنيع والخدمات اللوجستية، حيث يمكن أن تسبب الإصابات والأخطاء المرتبطة بالإرهاق خسائر كبيرة في الإنتاجية وفي الروح المعنوية. ولهذا السبب تلجأ الشركات إلى أحدث التقنيات لمساعدة عمالها وتقليل المخاطر المرتبطة بالمهام التي تتطلب جهدًا بدنيًا.

ويمكن تقسيم هذه المهام إلى فئتين:

 ● الهياكل الخارجية للأطراف العلوية والتي تساعد في ثني الكتف وحركات المد. 

 ● الهياكل الخارجية لدعم الظهر والتي تساعد العمال على أداء مهام الرفع اليدوي.

ولكي يتم اعتماد هذه الهياكل الخارجية على نطاق واسع، فإنها يجب أن تفي بعدة معايير، حيث يجب أن تكون خفيفة الوزن، ومريحة، وآمنة، وأن تمثل الحد الأدنى من الإخلال بالبيئة. ويُفضل أيضًا استخدام الهياكل الخارجية أحادية المفاصل على بدلات كامل الجسم التي تعمل بالطاقة في بعض التطبيقات، حيث أنها أنسب للمهام التخصصية مثل: صيانة محطات الطاقة النووية.
 

ومن بين الشركات التي مهدت الطريق لتطوير هذه التقنيات، تقف شركة Ekso Bionics  شامخة، حيث كانت هذه الشركة التي تتخذ من كاليفورنيا مقرًا لها، في طليعة تصنيع وتطوير الأجهزة الإلكترونية ذات الهياكل الخارجية التي تعمل بالطاقة للسوق. وثمة لاعب رئيسي آخر في هذا المجال هو شركة هيونداي موتور، وهي علامة تجارية عالمية حققت العديد من السبق في صناعة الهياكل الخارجية. وفي الوقت نفسه، تخطو شركة SuitX خطوات واسعة في تطوير المنتجات المصممة لتقليل إجهاد العمال، وتحسين التنقل، وتوفير الراحة من خلال دعم الأوزان الثقيلة.

المستقبل يمضي قدمًا أسرع وأقوى

ومع وجود هذا العدد من الشركات الرائدة في تطوير تكنولوجيا الهياكل الخارجية، فيمكن أن يتغير مستقبل العمل الصناعي والطب والمجال العسكري بشكل جذري في العقود القليلة القادمة.

ونظرًا لكوننا في خضم صناعة متطورة وسريعة التوسع، فإن هناك دائمًا شيئًا جديدًا ما يمكننا تعلمه عن الهياكل الخارجية، سيما مع ظهور نماذج جديدة من الهياكل الخارجية أو حالات استخدام جديدة. وهذا هو سحر وجاذبية هذه القطاع، فكلما اعتقدت أنك قد تعلمت كل شيء، يظهر شيء جديد مما يبقي الإثارة مستمرة.

قم بإنشاء حسابك الآن

قم بإنشاء حسابك الآن اشترك الآن للبقاء على اتصال بالنظام البيئي لدولة الإمارات العربية المتحدة، والوصول إلى المحتوى الحصري وأخبار السوق واكتشاف المبادرات وذلك لإطلاق العنان للآفاق والفرص.

قد يعجبك ايضا