المدن الذكية - الجزء الثاني: أبوظبي كطريق للمدينة الذكية

المدن الذكية - الجزء الثاني: أبوظبي كطريق للمدينة الذكية 

قيادة الفكر

تقوم منصة أبوظبي للأعمال، في شهر أكتوبر من هذا العام، بالتعمق في المدن الذكية وفي الكيفية التي يعمل بها الابتكار على قيادة نموها. وبعد النظر في فكرة ومفهوم المدن الذكية المعاصرة واداء أبو ظبي بالنسبة لمؤشرات المدن الذكية الرئيسية، فإننا نراقب المدى الذي تحولت فيه عاصمة الإمارات العربية المتحدة إلى  مدينة أكثر ذكاءً على نحو متزايد.

ووفقا لتقرير البنك الدولي الذي نشر في أبريل 2023، فإن عدد سكان المدن على مستوى العالم سوف يتضاعف حجمه بحلول عام 2050، حيث من المتوقع أن يعيش حوالي 7 من بين كل 10 أشخاص في المدن.

ومع زيادة أكثر من 80% من الناتج المحلي الإجمالي العالمي في المدن، فإن سرعة وحجم هذا التوسع الحضري يجلب معه العديد من التحديات، بدءاً من الطلب المتسارع على الإسكان الميسور التكلفة، ولكنه من الممكن أيضاً أن يساهم في تحقيق النمو المستدام من خلال زيادة الإنتاجية والابتكار إذا ما تمت إدارته بشكل جيد.

وقد شرعت أبوظبي في هذه الرحلة الذكية منذ فترة طويلة، عازمة على الاستفادة من حقيقة أن سوق المدن الذكية العالمي، وفقًا لوزارة الاقتصاد الإماراتية، من المتوقع أن تتضاعف قيمته لتصل تقريبًا إلى 873.7 مليار دولار بحلول عام 2026، في حين من المتوقع أن تصل قيمة السوق العالمي لخدمات التنقل إلى 40.1 مليار دولار بحلول عام 2030، ومن المتوقع أن يتضاعف سوق المباني الذكية ثلاث مرات ليصل إلى 229.10 مليار دولار بحلول عام 2026. 

المعيار الذهبي المستدام: مدينة مصدر

في عام 2006، أطلقت أبوظبي مدينة مصدر، أول مدينة مستدامة في الشرق الأوسط، والتي تم تطويرها بالتعاون بين الحكومة والشركات الخاصة والجامعات والأفراد. وتهدف مدينة مصدر إلى تقليل استهلاك الطاقة والمياه، فضلًا عن تقليل توليد النفايات، من خلال مزيج من التكنولوجيا والتصاميم المعمارية والطاقة الشمسية.

ومنذ أن قامت مصدر بتنمية شبكة غنية من الشركات الناشئة التي تركز على الاستدامة مثل Volts و FortyGuard في منطقتها الحرة، فقد انضمت إلى مبادرات دولية مثل: تحدي الابتكار المفتوح للمدن الذكية في أبوظبي وسنغافورة، كما قامت بإطلاق Catalyst، أول مسرع للشركات الناشئة في مجال التكنولوجيا النظيفة في المنطقة، كما قامت بإبرام شراكات لمواصلة دعم نظامها البيئي للابتكار، بما في ذلك مجالي الزراعة والأمن الغذائي. ويتم استخدام مدينة مصدر أيضًا في تشغيل مشاريع تجريبية لاختبار الابتكارات الجديدة للطاقة المتجددة التي تم تطويرها في معهد مصدر للعلوم والتكنولوجيا.

واليوم، تستهلك مباني مدينة مصدر طاقة ومياه أقل بنسبة 40% مقارنة بالمباني التقليدية المماثلة، في حين يتم تعويض الطلب على الطاقة من خلال محطة طاقة شمسية بقدرة 10 ميجاوات في الموقع وألواح شمسية على الأسطح بقدرة 1 ميجاوات. كما أن إمكانية المشي والتخطيط الحضري المدمج يقللان من البصمة الكربونية المرتبطة بوسائل النقل، ويوفر نظام النقل الشخصي السريع (PRT) الخاص بها النقل الكهربائي الآلي، وذلك من بين العديد من المبادرات الأخرى التي تسمح لمدينة مصدر بوضع معيار جديد للتنمية الحضرية الصديقة للبيئة. وبحلول عام 2030، ستكون المدينة موطنًا لــــ 50 ألف ساكن وقاعدة لـ 40 ألف متخصص وطالب في مجال أبحاث الاستدامة.

الاستفادة من التكنولوجيا: مشروع مدينة زايد الذكية

وفي الوقت نفسه، فإن مشروع مدينة زايد الذكية، وهو عبارة عن خطة مدتها خمسة اعوام لتعزيز تطوير تقنيات المدن الذكية التي أطلقتها بلدية أبوظبي عام 2018، ويدير البنية التحتية باستخدام تكنولوجيا المعلومات وإنترنت الأشياء (IoT). وقد تم اختبار  هذا المشروع، المدعوم إلى حد كبير بالذكاء الاصطناعي، في البداية، في منطقة الكورنيش بأبوظبي للتحقق من حالات الاستخدام الرئيسية ومدى جدواها قبل توسيعه ليشمل بقية أنحاء المدينة.

وقد تم تقييم عشر حالات استخدام لربط المكونات الرئيسية في جميع أنحاء المدينة، بما في ذلك مراقبة جودة الهواء، وتتبع الأصول ومراقبة الخدمات اللوجستية، ومراقبة الصحة الهيكلية، وعدادات المياه، والكشف عن سوسة النخيل، وإضاءة الشوارع، ومواقف السيارات الذكية، وإدارة النفايات، ومراقبة خزانات المياه، ومراقبة حمامات السباحة.

تسخير قوة الشمس

يقع مشروع شمس في منطقة الظفرة بأبوظبي، حيث كان أكبر مشروع للطاقة المتجددة قيد التشغيل في الشرق الأوسط عندما تم إطلاقه في عام 2013. وهو يحتل الآن مساحة 2.5 كيلومتر مربع وتبلغ طاقته 100 ميجاوات. ويساهم بشكل مباشر في تحقيق هدف أبوظبي المتمثل في زيادة قدرة توليد الطاقة بنسبة 30% عبر الطاقة النظيفة بحلول عام 2030.

وبعد إطلاق أول استراتيجية موحدة للطاقة بدولة الإمارات العربية المتحدة لغاية سنة 2050 - والذي تم في عام 2017 - فإن هذه الاستراتيجية تهدف إلى زيادة مساهمة الطاقة النظيفة في مزيج الطاقة الإجمالي من 25% إلى 50% بحلول عام 2050 وخفض البصمة الكربونية لقطاع توليد الطاقة بنسبة 70%، حيث قامت أبوظبي ببناء أكبر مجمع للطاقة الشمسية في موقع واحد في العالم، نور أبوظبي، والذي يضم أكثر من 3.3 مليون لوح شمسي بقدرة إجمالية تبلغ 1.2 جيجاوات. وقد بدأت المحطة عملياتها التجارية في عام 2019، لتزويد أبوظبي بالطاقة النظيفة من خلال اتفاقية شراء طاقة طويلة الأجل مع شركة مياه وكهرباء الإمارات (EWEC).

إلا أنه سرعان ما سيتم تجاوز هذا الرقم من خلال مشروع الظفرة للطاقة الشمسية والذي ستبلغ سعته 2 جيجاوات، بقيادة ائتلاف مكون من أربع شركات رائدة في قطاع الطاقة. وستمتد المحطة على مساحة تزيد عن 20 كيلومترًا مربعًا من المناطق ذات المناخ الصحراوي، والتي تحتوي على أكثر من أربعة ملايين وحدة كهروضوئية. وعند اكتمال المشروع، سيقوم بتوليد ما يكفي من الكهرباء لحوالي 160 ألف منزل في جميع أنحاء دولة الإمارات العربية المتحدة، مما يسمح للإمارة بالاقتراب من ذروة الطاقة الخالية من الكربون بنسبة 100٪ بحلول 2027-2028.

معالجة تحدي التنقل بالطرق الذكية

يستخدم 4.9% فقط من الأشخاص في أبوظبي وسائل النقل العام (مقابل 59% في نيويورك أو 33% في طوكيو)، حسبما ورد في تقرير شركة Strategy& report ، مما يؤدي إلى مشكلات مثل الازدحام الحضري والسلامة المرورية وإمكانيات الوصول للسكان المحرومين. وفي مواجهة النمو الكبير في عدد سكانها، فقد قامت المدينة بإدخال مفهوم "التنقل الذكي" (أي: استخدام التكنولوجيا لإنشاء شبكات نقل حضرية أكثر كفاءة واستدامة ومعتمدة على البيانات) في تخطيطها الحضري، حيث بدأت بمدينة مصدر التي أصبحت الآن لديها خدمة نقل مكوكية ذاتية القيادة وشراكات مع العديد من موفري السكوترات الإلكترونية.

وقد تم إبرام شراكات مختلفة لتعزيز التنقل الذكي: ففي عام 2021، قامت بلدية أبوظبي بتكليف شركة بيانات بقيادة تطوير وتطبيق المركبات ذاتية القيادة، حيث تم الكشف عن أول أسطول من سيارات الأجرة ذاتية القيادة بالكامل بعد بضعة أشهر.

وفي نوفمبر 2022، وقعت شركة مطارات أبوظبي أيضًا مذكرة تفاهم مع شركة الهندسة والعمليات الفرنسية Groupe ADP لاستكشاف إمكانات النقل الجوي المتقدم (AAM)، الذي يستخدم طائرات الإقلاع والهبوط العمودي الكهربائية (eVTOL) لنقل الأشخاص والبضائع.

وفي أبريل الماضي، وقعت شركة مونارك القابضة، ومقرها أبوظبي، وشركة منصة التكنولوجيا الصينية EHang القابضة، اتفاقية شراكة لإنشاء أول منشأة لتصنيع وتشغيل الطائرات والطائرات المستدامة بدون طيار التي تعمل بالطاقة الكهربائية لنقل الركاب والبضائع في المنطقة بأبوظبي

ترشيد العمل العام

تم في شهر سبتمبر الماضي، إطلاق دائرة التمكين الحكومي بأبوظبي كجهة تمكين حكومية مركزية تقدم خدمات عالية الجودة لموظفي حكومة إمارة أبوظبي والجهات الحكومية والمتعاملين والمواطنين والمقيمين.

وتتضمن المنصة ما يعرف بالرقمنة الحكومية (GovDigital)، والتي تقوم بدعم الشركاء الحكوميين لتقديم الخدمات وبناء النظم البيئية التي تثري نوعية الحياة وتضاعف فرص الأعمال والنمو الشخصي، وتتضمن ما يعرف بالمواهب الحكومية (GovTalent)، والتي تشرف على نظام الموارد البشرية بأبوظبي لضمان توفير الدعم والمساعدة دائمًا لموظفي الحكومة، وتتضمن ما يعرف بالأكاديمية الحكومية (GovAcademy)، والمكرسة لتعزيز مهارات ومعارف الموظفين الحكوميين من خلال مبادرات التدريب والتطوير الفعالة، وتتضمن ما يعرف بـــــ"المشتريات الحكومية"، وهو إطار تنظيمي متكامل للمشتريات تستخدمه جميع الجهات الحكومية في أبوظبي، وتتضمن أيضًا منصة "تم"، وهي عبارة عن نظام حكومي موحد متعدد القنوات، يقدم مجموعة واسعة من الخدمات التي توفرها حكومة أبوظبي، وتتضمن كذلك مركز دعم التوظيف، مواهب، الذي يقوم بإعداد مواطني دولة الإمارات العربية المتحدة للتوظيف الحالي والمستقبلي.
وهذه ليست سوى بعض المبادرات العديدة للمدن الذكية بأبوظبي. إن تقنيات المنازل الذكية وتقنية البلوكتشين والعديد من التقنيات المبتكرة الأخرى، تعمل على إعادة تشكيل الطريقة التي تتطور بها المدينة تدريجيًا. وكما قالت غابرييل إنزيريلو، وهي منظمة مالية من سوق أبوظبي العالمي، في قمة الاقتصاد الرقمي السنوية بهونغ كونغ لعام 2023: "تحاول كل من هونج كونج وأبوظبي بناء هذه البيئة التجريبية، لإثبات هذه التقنيات ومن ثم تصديرها إلى الخارج على المستويين الوطني والعالمي."

قم بإنشاء حسابك الآن

قم بإنشاء حسابك الآن اشترك الآن للبقاء على اتصال بالنظام البيئي لدولة الإمارات العربية المتحدة، والوصول إلى المحتوى الحصري وأخبار السوق واكتشاف المبادرات وذلك لإطلاق العنان للآفاق والفرص.

قد يعجبك ايضا