أغـرب من الخـيال - الحلقة الثانية

أغـرب من الخـيال - الحلقة الثانية 

إن الاستصلاح، وهو عملية إعادة تأهيل الأسطح أو الأراضي وتغيير بيئة كوكب ما لجعله صالحًا للبشر ليسكنوا فيه، كان موضوعًا شائعًا في الخيال العلمي لعقود من الزمن. لكن ماذا لو لم يكن مجرد خيال؟ ماذا لو استطعنا بالفعل إصلاح كواكب أخرى وجعلها مناسبة لحياة الإنسان؟

هذه هي الفكرة وراء "استصلاح النجوم"، وهو أفق جديد وجريء من آفاق البشرية حيث يمكن لهذه الفكرة أن تحل العديد من المشاكل البيئية لكوكبنا. وعلى الرغم من مرور حوالي 50 عامًا منذ أن تمكنا من ملامسة القمر للمرة الأولى، فإن استكشاف الفضاء هو عملية لا تزال في مهدها - لا سيما مقارنة بالتاريخ الحافل للإنجازات البشرية.

تاريخ "استصلاح النجوم"

كانت فكرة إعادة تأهيل الكواكب الأخرى موجودة منذ فترة طويلة، ولكن لم يبدأ العلماء بجدية في التفكير في هذه الاحتمالية حتى القرن العشرين. ففي عام 1950، نشر كاتب الخيال العلمي جاك ويليامسون كتابًا بعنوان "أغمق مما تعتقـد"، اقترح فيه فكرة إعادة تأهيل المريخ، حيث أثار ذلك الاهتمام في المجتمع العلمي، وفي العقود التالية بدأ العديد من العلماء والباحثين في دراسة جدوى إعادة تأهيل الكواكب الأخرى.

وفي السبعينيات، اقترح عالم الفيزياء الأمريكي وناشط الفضاء جيرارد أونيل فكرة بناء مستعمرات فضائية عملاقة يمكن استخدامها كنقطة انطلاق للكواكب الأخرى. وكانت رؤيته تتمثل في إنشاء مستوطنات ذاتية الاكتفاء يمكن أن تدعم حياة الإنسان إلى أجل غير مسمى، وتسهم في استصلاح كواكب أخرى

فوائد "استصلاح النجوم"

إن فوائد استصلاح النجوم عديدة. فأولًا، سيوفر ذلك للبشرية خطة احتياطية في حالة حدوث شيء كارثي على الأرض. وإذا ما تمكنا من استصلاح كواكب أخرى وإنشاء مستوطنات مستدامة، فسيكون لدينا مكان يمكننا الذهاب إليه إذا ما أصبح كوكبنا غير صالح للسكن.

وبالإضافة إلى ذلك، فإن إعادة تأهيل الكواكب الأخرى يمكن أن يساعد في التخفيف من بعض المشاكل البيئية التي نواجهها على الأرض. فعلى سبيل المثال، يمكننا استخدام الاستصلاح لتوفير مصادر جديدة للغذاء والماء، ولتطوير تقنيات جديدة للطاقة المتجددة.

كما أن فكرة إعادة تأهيل الكواكب الأخرى يمكن أن تكون محفزًا رئيسيًا للتقدم العلمي، حيث تتطلب التحديات التي تنطوي عليها إعادة التأهيل تقنيات جديدة واختراقات علمية، ويمكن أن يكون للمعرفة المكتسبة من هذه العملية تطبيقات أخرى لا حصر لها.

والآن دعونا نستعرض بعض الكواكب التي يرى العلماء وجود احتمالية لاستصلاحها:

المريخ

يعتبر المريخ المرشح الأكثر شعبية لإعادة التأهيل بسبب قربه من الأرض ولأوجه التشابه في الحجم والتكوين مع الأرض. إلا أن هذا الكوكب له غلاف جوي رقيق وليس له حقل مغناطيسي خاص به، مما يجعله عرضة للرياح الشمسية والإشعاعات. ومع ذلك، فإنه يحتوي على كمية كبيرة من المياه الجليدية المتواجدة في قطبيه الشمالي والجنوبي وكذلك تحت سطحه، حيث يمكن إذابتها واستخدامها لتكوين الغلاف الجوي والمحيطات. ويعتقد العلماء أنه إذا ما تمكنا من زيادة الضغط الجوي ودرجة حرارة المريخ، فقد يصبح صالحًا للسكن من قبل البشر.

الزهـرة

غالبًا ما يعتبر كوكب الزهرة مرشحًا أقل احتمالًا لإعادة التأهيل بسبب بيئته العدائية للغاية. حيث أن له غلافًا جويا سميكا يتكون في الغالب من ثاني أكسيد الكربون، مما يتسبب في تأثير الاحتباس الحراري الجامح ويجعل سطح الكوكب ساخنًا بشكل لا يصدق. ومع ذلك، فقد اقترح بعض العلماء أنه يمكننا استخدام بالونات أو مرايا عاكسة كبيرة لمنع أشعة الشمس وتبريد سطح الكوكب. وإذا ما تمكنا أيضًا من إدخال الماء وعناصر أخرى لخلق جو جيد للتهوية، فمن المحتمل أن يصبح كوكب الزهرة موطنًا جديدًا للبشر.

يوروبا

يوروبا هو أحد أقمار كوكب المشتري وهو مغطى بطبقة سميكة من الجليد. ومع ذلك، يعتقد العلماء أن هناك محيطًا شاسعًا من الماء السائل تحت هذا الجليد. وإذا ما تمكنا بطريقة ما من الحفر عبر الجليد والوصول إلى تلك المياه، فمن المحتمل أن نتمكن من صناعة بيئة صالحة للسكن على يوروبا، وهو أمر سيتطلب الكثير من الطاقة والموارد لإنجازه، ولكنه قد يكون وسيلة لإنشاء موطن جديد للبشر خارج نظامنا الشمسي.

تيتان

تيتان هو أكبر أقمار كوكب زحل، وهو القمر الوحيد المعروف ذو غلاف جوي كثيف. وهو يتكون في الغالب من النيتروجين، ولكن به أيضًا آثار من غازات الميثان والإيثان. وقد اقترح العلماء أنه يمكننا استخدام غاز الميثان الوفير على تيتان لخلق جو يسمح بالتنفس. ومع ذلك، فإن درجات الحرارة الشديدة البرودة لهذا القمر ونقص ضوء الشمس سيجعلان من عملية الاستصلاح تحديًا حقيقيًا.

إنسيلادوس

إنسيلادوس هو أحد أقمار زحل الأخرى التي تحتوي على محيط من الماء السائل تحت سطحه. كما أن لديه عددًا كبيرًا من الفوارات التي تطلق الماء وجزيئات الجليد في الفضاء، والتي قد يتم استخدامها كمصادر للمياه من أجل الاستصلاح. ومع ذلك، فإن هذا القمر سيتطلب قدرًا كبيرًا من الطاقة والموارد لخلق بيئة صالحة للسكن عليه، تمامًا مثل يوروبا.

"إلى اللانهاية، وما وراءها"

يعد استصلاح الكواكب الأخرى موضوعًا رائعًا استحوذ على خيال العلماء وكتاب الخيال العلمي لسنوات. وفي حين أنه لا يزال نظريًا في الغالب، فإن الفوائد المحتملة لإنشاء بيئات صالحة للسكن على الكواكب الأخرى قد تكون هائلة.

فمن المريخ إلى إنسيلادوس، ليست هذه سوى بعض الكواكب المحتملة التي افترض العلماء أنه يمكن استصلاحها وإعادة تشكيلها. ومع استمرار تقدم تقنياتنا وفهمنا للكون، فمن يدري؟ ربما تفتح لنا الكثير من الفرص الأخرى أبوابها وتصبح متاحة في المستقبل!

قم بإنشاء حسابك الآن

قم بإنشاء حسابك الآن اشترك الآن للبقاء على اتصال بالنظام البيئي لدولة الإمارات العربية المتحدة، والوصول إلى المحتوى الحصري وأخبار السوق واكتشاف المبادرات وذلك لإطلاق العنان للآفاق والفرص.

قد يعجبك ايضا